Navigation

الريع ودور السلطة ورجال الاعلام

 الريع ودور السلطة ورجال الاعلام


إدريس بنعلي (7 أكتوبر 1943 - 3 فبراير 2013) أستاذ وباحث اقتصادي مغربي، مختص في الشؤون المغاربية ومستشارا وطني ودولي.
تميز بأبحاث متعددة حول العلاقة بين الاقتصاد والسلطة المخزنية في المغرب، ويعتبر مرجعا أساسيا فيها. تميز برؤيته للاقتصاد المغربي التي تعتمد الرؤية السياسية والاجتماعية وليس فقط "المالية".

كان له دور في إغناء المجال الأكاديمي بتدقيقه للكثير من المصطلحات والمفاهيم التي كانت تستعمل بطريقة ملتبسة، كالتنمية، والتخلف، والتربية، والعولمة، والمخزن.

جدلية الريع والفساد بالمغرب بقلم يحيى اليحياوي

يكمن الريع، بالمعنى السوسيولوجي الصرف، في الحصول على "ثروة" أو سلطة أو إكرامية أو امتياز، دون أن يكون مقابل ذلك استحقاق موضوعي ثابت، أو جهد جسدي أو ذهني مبذول، أو مسوغ قانوني يعطي المرء المستفيد "الحق في التمتع" بذات الامتياز دون سواه.


ويكمن، في الاصطلاح العام، في استئثار من لهم قرابة أو قرب من السلطان، أو من لديهم نفوذ ما على صناع القرار، أو من لهم رأي وازن بهذا اللوبي أو ذاك، استئثارهم بغنيمة جزافية تمنحهم مداخيل قارة، دون أن تنبني على حق مشروع أو اجتهاد خاص.
لا يختلف الريع (والفساد المترتب عنه) المتأتي من قطاع الإعلام والاتصال، لا يختلف كثيرا عن ريع النقل والمقالع والمناجم وأعالي البحار. إنهما ينهلان معا من نفس الإناء، ويتقاطعان بعمق في الصفة والطبيعة:


– فعندما تمنح مؤسسة الإذاعة والتلفزة الوطنية مثلا، لشركة في الإنتاج قائمة أو وهمية، عندما تمنحها عقودا بملايين الدراهم لتصميم منتوج ما أو صياغة برنامج ما، ولا تفي الشركة إياها بالمهمة أو تفي بها دون الحد الأدنى من الشروط، ويقبل منها العمل دون تدقيق، فإنما يدخل ذلك في نطاق الريع الخالص، في شكله كما في مضمونه.
الشركة هنا تكون قد استفادت من المال العام، لكنها لم تنجز ما يبرر الاستفادة، أو تنجزه بمستويات في الجودة متدنية.


– وعندما يوزع المركز السينمائي المغربي عشرات الملايين من الدراهم لدعم إنتاج هذا الفيلم السينمائي أو ذاك، ولا نرى من أثر لهذا الفيلم بعد انقضاء مدة من الزمن أو نرى منه منتوجا ضحلا هزيلا، فإن ذلك إنما يعبر عن حالة ريع صرفة، مفادها استفادة المخرج ومحيطه من مال عام دونما صرفه الصرف السليم.
– وعندما نرى صحفا ومطبوعات محددة تتحصل على إيرادات للإشهار ضخمة بحكم قربها من هذه الجهة النافذة أو تلك، فإن الأمر لا يمكن إلا أن يدخل في مجال الريع الإعلامي، ليس فقط من زاوية مدى شرعية ما تتحصل عليه، ولكن أيضا من زاوية أنها لم تبذل جهدا بالمقابل، اللهم إلا جهد المحاباة والتقرب والمحسوبية.


– وعندما تعطى مؤسسة دون غيرها امتياز احتكار اللوحات الإعلانية بالشارع العام وبالأماكن العامة الإستراتيجية، أعني المرتادة بكثافة، ولا تلتزم المؤسسة إياها بأداء واجباتها الجبائية لفائدة الدولة أو الجماعة فإن هذا ريع أيما ريع.
الريع في هذه الحالة ليس مصدره الاحتكام إلى أدوات لإنتاج القيمة، بل القرب من جهة نفوذ محددة، إذا لم تكن هي التي منحت الامتياز فبالتأكيد هي حاميته أو الغاضة الطرف عن صاحبه، صاحب الامتياز أقصد.


إنها كلها حالات ريع إعلامي وإعلاني بامتياز، لا يبذل فيها أصحابها ذرة جهد لشرعنتها أو تبييضها بمنطوق الشرع والقانون.
ولما كانت كذلك، فإنها لا تنهل فقط من منطق غياب دولة الحق والقانون، بل من منظومة الفساد المعمم الذي لا يعير كبير اعتبار للقانون، فما بالك أن يكون لديه تمثل ما عن دولة الحق والقانون.


إن الفساد قد طاول ونخر السلطات الكبرى القائمة بمستوياتها المختلفة، التنفيذي منها كما التشريعي كما القضائي، وبات بالتالي محركا لكل الأجهزة والدواليب المشرعة كما المنفذة كما التي من شأنها الفصل في تظلمات وشكاوى الأفراد والجماعات.
ومعناه، أنه عندما يصبح الفساد مستشريا بالأفقي والعمودي، لا تتحرك الدولة إلا بحركته، فمعنى ذلك جهارة، أنه بات منظومة حكامة بامتياز، بالقياس إليها تتحدد السياسات العمومية، وعلى أساسها يتم تحديد قواعد توزيع الثروة والسلطة بالمركز، كما بالأطراف.


إن الفساد بالمغرب، من هذه الزاوية، لم يعد معطى محصورا أو منفردا، بل حالة عامة تحكم المنظومة برمتها وتتحكم في شكلها كما في جوهرها، كما في طبيعة الفاعلين من بين ظهرانيها.


مشاركة
Banner

داخل اللعبة

أضف تعليق:

0 comments: